ان للناس في كيفية نشأة الحياة مذهبان، مذهب يرى ويؤمن بالخلق المباشر، بمعنى أن الله خلق الكون وسائر الحيوان، بقوله: كن، فكان ما أراد سبحانه، وعلى هذا المذهب علماء الأديان وأكثر علماء الطبيعة.
وذهب آخرون إلى أن نشوء الحياة في سائر الحيوان كان عن طريق النشوء البطيء، وتحول أنواع، وظهور أنواع جديدة، وكان من أشهر القائلين بهذا الرأي العالم الفرنسي "لامارك" الذي زعم أن أنواع الأحياء ليست أصيلة في الخلق والتكوين، بل يشتق بعضها من بعض بطريق التحول والارتقاء التدريجي.
وظل هذا المذهب ضعيفا، لا يقوى على الوقوف أمام مذهب أهل الأديان، إلى أن جاء دارون فدفع مذهب التحول دفعة قوية للأمام، عندما وضع سنة 1859م كتابه في أصل الأنواع بطريق الانتخاب الطبيعي، ثم أصدر بعده كتابه ( تسلسل الإنسان ) سنة 1871م.
شرح نظرية دارون في الخلق :
لم يكن دارون ملحدا، ولم يكن يقول في نظريته عن الخلق بأن الحياة نشأت مصادفة، بل كان مؤمنا بوجود إله خالق، ولكنه كان يقول إن الخلق جميعا نشأ من أصل واحد، وأراد – من خلال نظريته النشوء والارتقاء - أن يقدم تفسيرا علميا للقانون الذي أنشأ الله به الخلق، ويمكن شرح تلك النظرية عن طريق شرح النواميس الأربعة التي يرى دارون أن الأحياء جميعها خاضعة لها:
1. ناموس "تنازع البقاء ": ومعناه أن الكائن في هذه الحياة في صراع دائم مع الطبيعة من جهة، ومع أبناء نوعه من جهة أخرى، وفي خضم هذا الصراع يحاول الكائن أن يحيا ويتغلب على خصومه، إلا أن الفوز في معركة البقاء، يتطلب في الفائز صفات معينة تؤهله للفوز، وهذه الصفات تختلف من كائن لآخر، فقد تكون صفة الفوز لكائن هي القوة، ولآخر هي عظم الجثة، ولآخر السرعة أو الجمال أو الذكاء أو الشجاعة وغيرها، فإذا تم الفوز للأفراد الذين لهم شيء من هذه الصفات كتب البقاء لهم، في حين يكتب الفناء والهلاك على من افتقد تلك الصفات.
2. ناموس "تباينات الأفراد": ومعناه أن الأجساد الحية ميَّالة للتباين ببعض صفاتها عن الأصل الذي نشأت منه، لذلك لا يتم التشابه الكلي بين الآباء والأبناء، ولا بين الأصول والفروع، وبمرور الدهور الطويلة تتعمق هذه التباينات، وتظهر الأنواع الجديدة تحت أشكال مختلفة، كالإنسان الذي تطور من قرد حيث أن ذلك – وفق زعمهم – لم يحدث فجأة وإنما نتيجة تراكم التباينات جيلا بعد جيل، حتى أدت تلك التباينات في نهاية المطاف إلى ظهور الإنسان واختفاء صورة القرد عنه.
3. ناموس "تباينات بالإرث" وهذا الناموس متمم للناموس السابق، فالتباينات التي تحدث للأفراد تنتقل بالوراثة من الأصول إلى الفروع، وتكون في أول الأمر جزئية وعرضية، ثم تصبح بمرور الأزمنة الطويلة جوهرية وتظهر في الأنواع.
4. ناموس "الانتخاب الطبيعي" وعليه يرتكز المذهب كله، وخلاصته أن ناموس الوراثة، كما ينقل التباينات، ينقل أيضا جميع الصفات التي يحملها الأصل إلى الفرع، مادية كانت أو معنوية، أصلية أو مكتسبة، وهذه الصفات منها النافع كالقوة والصحة والذكاء، ومنها الضار كالأمراض والأوجاع والعاهات، أما الضارة فتنتهي إلى أحد أمرين: إما أن تتلاشى بتغلب الصفات النافعة، وإما أن تؤدي إلى ملاشاة صاحبها بذاته أو بنسله. وأما النافعة فهي التي تجعل صاحبها ممتازا وفائزا في معركة البقاء.