هذا إلى سفاهات تتعدى على مقدسات 50 مليون مصري ويصف عقيدتهم بالرجعية والظلامية والإرهاب ولا شك أن السخرية والتهكم والكلمات اللاذعة لا تكون أبداً في أسلوب كاتب يحترم نفسه.
ولم يكتف بمعارضة تطبيق الشريعة في مصر وإنما يعارض تطبيقها في أي بلد إسلامي.
11- يعلن فرج فودة تعاطفه مع المرتدين الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه ويخطئ أبا بكر رضي الله عنه في قتاله لمانعي الزكاة.
12- كان يجالد بآرائه في مقاومة تطبيق الشريعة وجعل هذا الاتجاه بضاعته بوضوح كامل مع الإخوة المسيحيين([2]) ومع الصهيونية والماسونية وأنه ذهب للجمعية المصرية القبطية في كندا وأمريكا وأعطى ندوات في الكنائس هناك.
وكان يرى أن إسرائيل لابد أن تصبح جزءاً من نسيج المنطقة وعنصراً من عناصر تكاملها". (انتهى من: كتاب العصر تحت ضوء الإسلام، ص 273-275).
قال الدكتور مفرح القوسي في رسالته (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية).
"الدكتور فرج فودة: أحد أقطاب العلمانية المعاصرين ، اشتهر بحماسه الشديد لفصل الدين عن الدولة، وبمعاداته للاتجاهات الإسلامية المعاصرة عامة وللاتجاه السلفي خاصة، وبرفضه للشريعة الإسلامية ومنع تطبيقها في البلاد الإسلامية ولا سيما في بلده مصر. ويمكن تحديد أهم ملامح المنظومة الفكرية والسياسية التي يتبناها في النقاط التالية:
أولاً: فصل الدين عن الدولة وجعل الإسلام ديناً روحياً فقط، حيث يقول: "إن الإسلام كما شاء له الله دين وعقيدة وليس حكماً وسيفاً"([3])، "وأن هناك فرقاً كبيراً بين الإسلام الدين والإسلام الدولة، وأن انتقاد الثاني لا يعني الكفر بالأول أو الخروج عليه"([4]) ، ويقول :"أنت هنا تملك أن تفصل بين الإسلام الدين والإسلام الدولة حفاظاً على الأول حين تستنكر أن يكون الثاني نموذجاً للاتباع، أو حين يعجزك أن تجد صلة واضحة بين هذا وذاك، فالأول رسالة، والثاني دنياً… دع عنك إذن حديث الساسة عن الدين والدولة وسلم معهم بالدين، أما الدولة فأمر فيه نظر، وحديث له خبئ ، وقصد وراءه طمع، وقول ظاهره الرحمة وباطنه العذاب"([5]).
وادعى تأكيداً لهذا الفصل أن "الخلافة الإسلامية" التي استمرت في عهود الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين ليست خلافة إسلامية بل خلافة عربية قرشية، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم فقط، وأن الدولة الإسلامية كانت على مدى التاريخ الإسلامي كله عبئاً على الإسلام وانتقاصاً منه وليست إضافة إليه([6])، وأن وقائع التاريخ الإسلامي تنهض دليلاً دامغاً على ضرورة الفصل بين الدين والسياسة، وعلى خطورة الجمع بينهما، وعلى سذاجة المنادين بعودة الحكم الإسلامي([7]). وادعى أيضاً أن هذا "الفصل هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية"([8])، وأن فيه تحقيقاً لصالح الدين وصالح السياسة معاً، كما أن قصر رسالة المسجد على تعميق مفاهيم الدين وغرس القيم الدينية فيه تحقيق لقصد الذاهبين للصلاة، بل واحترام لحريتهم الفكرية([9]).
ثانياً: رفض تطبيق الشريعة الإسلامية رفضاً باتاً وبأي صورة من الصور، فهو يُعلن ذلك في كتبه ولقاءاته الفكرية بلا مواربة([10]) ، ويصم المنادين بتطبيقها بالتطرف والجمود والتخلف؛ مدعياً ما يلي:
1-أن تطبيق الشريعة يؤدي إلى قيام دولة دينية، وهذه تقود إلى الحكم بالحق الإلهي الذي لا يتم إلا من خلال رجال الدين؛ وتنقسم الدولة بسببه إلى حزبين هما: حزب الله –ويدخل فيه كل من وافقهم-، وحزب الشيطان –ويدخل فيه كل من خالفهم([11])-. وكثيراً ما يردد فودة هذه الدعوى ويُلح عليها، ومن ذلك على سبيل المثال قوله: "إن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد أن يقود إلى دولة دينية، والدولة الدينية لابد أن تقود إلى حكم بالحق الإلهي لا يعرفه الإسلام، أو قل عرفه في عهد الرسول. والحكم بالحق الإلهي لا يمكن أن يقام إلا من خلال رجال دين إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة"([12]).
2-أن تطبيق الشريعة ينافي الحضارة والتطور ويهدد أمن الوطن ووحدته بإثارة الفتنة الطائفية، حيث يقول: "إنما أنا مواطن مصري يندب مصير مصره حين تنساق بحسن النوايا في اتجاه حاشا لله أن أسميه مستقبلاً، فما أبعد المستقبل عن دولة دينية لا أحسب أن العمر يتسع لها، أو أن الوطن يمكن أن يسعها دون أن تتهدد وحدته، وينهدم ما تعلق به من أهداب الحضارة أو درجاتها"([13]) ، ويقول: إن تطبيق الشريعة يؤدي إلى قيام دولة دينية، "والدولة الدينية التي يحكمها رجال الدين بصورة مباشرة أو غير مباشرة… سوف تكون مدخلاً مباشراً للفتنة الطائفية، بل ربما تمزيق الوطن الواحد"([14]).
3-أن المناداة بتطبيق الشريعة إنما هو رد فعل لمؤثرات خارجية، وأن هدف الداعين إلى تطبيقها هو الاستيلاء على الحكم بطريق مباشر –بتولي مناصبه- أو بطريق غير مباشر –بفرض الوصاية عليه([15])-.
4-تفوق القوانين الوضعية على الشريعة الإسلامية، حيث يقول: "إن القانون الحالي يعاقب على جرائم يعسر على الشريعة أن تعاقب عليها، ويعكس احتياج المجتمع المعاصر بأقدر مما تفعل الشريعة"([16]). ويقول في حوار أجري معه: "إن حجم الانحلال الموجود في المجتمع المصري أقل بكثير اليوم على مدى التاريخ الإسلامي كله، ورأيي أن القانون الوضعي يحقق صالح المجتمع في قضايا الزنا مثلاً أكثر مما ستحققه الشريعة لو طبقت"([17]).
5-"أن قواعد الدين ثابتة، وظروف الحياة متغيرة، وفي المقابلة بين الثابت والمتغير لابد وأن يحدث جزء من المخالفة ، وذلك بأن يتغير الثابت أو يثبت المتغير، ولأن تثبيت واقع الحياة المتغير، مستحيل، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بتغيير الثوابت الدينية"([18]).
ثالثاً: تشويه وتحطيم الصورة المثلى الراسخة في أذهان المسلمين لعصر الخلفاء الراشدين بخاصة والسلف بعامة ولحكوماتهم الإسلامية التي جمعوا فيها بين الدين والدولة، ليثبت في النهاية استحالة إقامة حكم إسلامي في الوقت الحاضر يجمع بين الدين والدولة، وعقم الدعوة إلى التأسي بالصحابة رضي الله عليهم واتباع منهجهم في ممارسة الإسلام وتطبيق شريعته في مناحي الحياة، فقد صوَّر هذا العصر بأنه عصر الاعتراض حيناً والانقسام أحياناً، والاقتتال غالباً، وماكان فيه من استقرار فمرده لانشغالهم بالفتح الخارجي([19])، وبأنه عصر استبداد وظلم يُضطهد فيه الصحابة والعلماء، وتُستباح فيه الأموال وتُزهق فيه الأرواح بغير حق، فقد أطار السيف من رؤوس المسلمين أضعاف ما أطار من رؤوس أهل الشرك([20]).
ويتخذ فودة هذه الصورة الشوهاء لعصر الخلفاء الراشدين ذريعة لرفض الحكم الإسلامي، والأخذ بمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، فيقول: "لعلك متسائل معي الآن، ولك الحق في كل تساؤلاتك: إذا كان هذا هو ما يحدث بين رجال الصدر الأول للإسلام والمبشرين بالجنة، فكيف يكون المصير على يد من هم أدنى منهم مرتبة وأقل منهم إيماناً وأضعف منهم عقيدة؟ "([21]) .
هذا فيما يخص عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أما العهود الإسلامية بعد عهدهم فيدعي فودة أن معظمها عهود فساد وطغيان وخروج على العقيدة، ولا صلة لها بالإسلام إلا بالاسم فقط، فنراه يقول مخاطباً علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تحزن يا أبا الحسن ولا تغضب فزمانك لا شك أعظم من زمن من يليك، وحسبك أن عهدك كان فيصلاً أو معبراً إلى زمان جديد، لا ترتبط فيه الخلافة بالإسلام إلا بالاسم، ولا نتلمس فيها هذه الصلة بين الإسلام والخلافة إلا كالبرق الخاطف، يومض عامين في عهد عمر بن عبد العزيز، وأحد عشر شهراً في عهد المهتدي، وخلا ذلك دنيا وسلطان، وملك وطغيان، وأفانين من الخروج على العقيدة لن تخطر لك على بال، وربما لم تخطر للقارئ على بال، لأن ما نقلوه([22]) إليه كان ابتساراً للحقيقة، وإهداراً للحقائق، وانتقاصاً من الحق"([23]).
رابعاً: التجني على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، والتطاول عليهم بالتخطئة والسب الشتم والوقيعة في أعراضهم والقدح في أمانتهم وحسن إسلامهم، وذلك حطاً من قيمتهم وإقلالاً من شأنهم، وبالتالي منع الاقتداء بهم وابتاع منهجهم، وسنكتفي بإيراد نماذج من ذلك فيما يلي:
أ- يذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه بقتاله مانعي الزكاة قد شرع القتال بين أهل القبلة، وأن موقفه هذا يُعد البداية الحقيقية لقتال المسلمين للمسلمين، ويُعلن تعاطفه مع المرتدين، ويستشهد بمعارضة عمر لأبي بكر في البداية، ويضرب الذكر صفحاً عن إجماع الصحابة على هذا القتال؛ بل عن تأييد عمر نفسه لهذا القتال([24]).
ويعد أسلوب عهد أبي بكر بالخلافة لعمر رضي الله عنهما أسلوباً بعيداً عن الديمقراطية([25]).
ب- يزعم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتهد مع وجود النص، وأن اجتهاده لم يكن قاصراً على التفسير، بل امتد إلى المخالفة والتعطيل، فأفتى بمخالفة نص قرآني مع علمه به، فألغى سهم المؤلفة قلوبهم الذي هو أحد مصارف الزكاة المنصوص عليها في سورة التوبة([26])، وعطل حداً من الحدود الثابتة وهو حد السرقة، وعطل التعزير بالجلد في شرب الخمر في الحروب، وخالف السنة في تقسيم الغنائم فلم يوزع الأرض الخصبة على الفاتحين، وقتل الجماعة بالواحد مخالفاً المساواة في القصاص([27]).
ج- يرى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يعدل في حكمه، وأنه أقام نظام حكمه على ثلاث قواعد خاطئة هي:
- خلافة مؤبدة.
- لا مراجعة للحاكم ولا حساب أو عقاب إن أخطأ .
- لا يجوز للرعية أن تنـزع البيعة منه أو تعزله، ومجرد مبايعتها له مرة واحدة تعتبر مبايعة أبدية لا يجوز لأصحابها سحبها وإن رجعوا عنها أو طالبوا المبايع بالاعتزال. ولأن أحداً لا يُقر ولا يتصور أن تكون هذه هي مبادئ الحكم في الإسلام قتله المسلمون"([28]).
د- يتهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه بخيانة الأمانة، والتمرد والعصيان لخليفة المسلمين وولي أمرهم، والاستيلاء على أموال المسلمين وأكلها بالباطل والإصرار على ذلك. ويصفه بأنه: يأكل حراماً ويشرب حراماً([29]).
هـ- يتهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بالزنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويدّعي أن عمر لم يقم الحد عليه رغم تيقنه من إقدامه عليه([30]).
و- يتهم خمسة من كبار الصحابة ومن العشرة المبشرين بالجنة، وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، يتهمهم بالتكالب على الدنيا والإقبال عليها وجمع الأموال الطائلة بعد هجرتهم إلى المدينة، وأنهم انصرفوا بذلك عن دينهم، وهجروا حياة الزهد والعبادة التي كانوا عليها قبل الهجرة"([31]) انتهى النقل من رسالة الدكتور مفرح القوسي–وفقه الله-.
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
-----------------------------------
([1]) انظر: تتمة الأعلام للزركلي، للأستاذ محمد خير يوسف ( 2/10-11).
([2]) عفا الله عن الأستاذ أنور الجندي، فالنصارى ليسوا بإخوة للمسلمين، قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم).
([3]) الحقيقة الغائبة (ص 139)، ط عام 1992م، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة.
([4]) قبل السقوط ص 14. وانظر : حوار حول العلمانية ص 17.
([5]) قبل السقوط ص 14 – 15.
([6]) انظر كلاً من : الحقيقة الغائبة ص 133، وإقبال بركة –قضايا إسلامية ص 178.
([7]) انظر: الحقيقة الغائبة ص 145.
([8]) المرجع السابق.
([9]) انظر: قبل السقوط ص 18، 35.
([10]) راجع في هذا على سبيل المثال: حوارات حول الشريعة –لأحمد جودت ص 14.
([11]) راجع: قبل السقوط ص 51-58.
([12]) المرجع السابق ص 42-43. وراجع ص 51-58-، 68 من المرجع نفسه. وحوارات حول الشريعة –لأحمد جودت ص 14-15، 80، 96.
([13]) قبل السقوط ص 41 – 42.
([14]) المرجع السابق ص 68، وراجع الصفحات : 41 – 50 من المرجع نفسه.
([15]) راجع: المرجع السابق ص 42 – 48، 59-63.
([16]) الحقيقة الغائبة ص 121.
([17]) قضايا إسلامية معاصرة ص 185.
([18]) الحقيقة الغائبة ص 70.
([19]) راجع: قبل السقوط ص 9 – 14.
([20]) راجع: المرجع السابق ص 14-15، 19-21، 93. وللاطلاع على نص كلامه بهذا الخصوص راجع كتابه (الحقيقة الغائبة) في الصفحات : 22-31، 139-141.
([21]) قيل السقوط ص 21.
([22]) يعني المؤرخين كتّاب السير.
([23]) الحقيقة الغائبة ص 57 – 58.
([24]) راجع: المرجع السابق ص 42 – 44.
([25]) انظر: قبل السقوط ص 97.
([26]) وذلك في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) التوبة 60.
([27]) راجع: الحقيقة الغائبة ص 45 – 51.
([28]) المرجع السابق ص 29.
([29]) راجع: المرجع السابق ص 58 – 62.
([30]) راجع المرجع السابق ص 117 – 119.
([31]) راجع: المرجع السابق ص 53 – 56.