شبل السنة المغربى نائب المدير
عدد الرسائل : 388 تاريخ التسجيل : 16/07/2007
| موضوع: أفى الله شك فاطر السماوات والأرض 8th أغسطس 2007, 16:55 | |
| - الأصل في الخالق الوجود فوجوده واجب.
2- ولا يمكن أن يكون السبب في إيجاد الممكن إلا واجب الوجود.
ونسير في هذا الدليل على أربع مراحل.
المرحلة الأولى من الدليل: لا يشك عاقل في الدنيا بأن الوجود يقابله العدم، وأنه لا ثالث بين الوجود والعدم، ولا ثالث وراء الوجود والعدم.
هذان اثنان (الوجود والعدم) إذا وُجد أحدهما انتفى الآخر لا محالة، وإذا انتفى أحدهما وُجد الآخر.
وهنا نتساءل مع أنفسنا فنقول أيهما الأصل؟ هل الوجود الذي يقابله العدم العام هو الأصل، أو العدم العام هو الأصل؟
وللإجابة على هذا التساؤل لا بد أن نسلك مسلك افتراض أن أحدهما هو الأصل، ثم ننظر هل يتعارض معه ـ على أنه الأصل ـ ما ينقضه أم لا.
وعلى هذا فلنفرض أن الأصل لكل ما يخطر في الفكر وجوده هو العدم.
ومعنى العدم نفي ذات ما يخطر بالبال، ونفي صفاته، فلا ذات ولا قوة ولا إرادة ولا علم ولا حياة ولا أي شيء.
وبحسب هذا الافتراض نتساءل كيف استطاع العدم ـ الذي هو الأصل ـ أن يتحول إلى الوجود؟ ألسنا نشعر بوجود أنفسنا؟ ألسنا نرى موجودات كثيرة من حولنا؟!.
والعدم معناه كما عرّفناه هو النفي العام لكل ما يخطر بالبال؛ فيكف يأتي من هذا العدم العام ذوات وصفات وقوى، فتنطلق بنفسها من العدم إلى الوجود، وانطلاقها لا يكون إلا بقوة، والمفروض أن هذه القوة عدم أيضاً؟!.
إنه من المستحيل بداهة أن يتحول العدم بنفسه إلى الوجود، أو أن يوجد العدمُ أيُّ شيء.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى في سورة الطور: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ
أي هل انتقلوا من العدم إلى الوجود من غير الخالق؟
أم هل كانوا هم الخالقين لأنفسهم في هذا الانتقال؟ وكلاهما من الأمور المستحيلة بداهة.
وهكذا: لو كان العدم هو الأصل العام لم يوجد شيء من هذه الموجودات التي لا حصر لها، ولذلك كان علينا أن نفهم حتماً أن الأصل هو الوجود.
وبهذا الدليل ثبت بشكل عقلي قاطع أنه لا يصح أن يكون العدم هو الأصل.
وحيث كان الأمر كذلك فقد ثبت بشكل عقلي قاطع أيضاً:
أن الأصل هو الوجود لأن الوجود كما سبق نقيض العدم ولا واسطة بينهما.
ثم نقول:
إن ما كان هو الأصل بين شيئين متناقضين لا يحتاج وجوده إلى تفسير أو تعليل، لأنه متى احتاج وجوده إلى تعليل لم يكن أصلاً،
وإنما تطلب الأسباب والتعليلات للأشياء التي ليست هي الأصل.
وبهذا الاستدلال ظهر لدينا بوضوح شيئان:
أ- أن الأصل هو الوجود.
ب- أن الأصل لا يتطلب في حكم العقل سبباً ولا تعليلاً أكثر من يُقال: إنه هو الأصل.
المرحلة الثانية من الدليل:
إذا كان الوجود هو الأصل لا محالة، فهل يمكن أن يكون لهذا الأصل بداية؟
وهل يمكن أن يلحقه العدم؟
وللإجابة على هذا التساؤل نقول: 1- إن ما كان وجوده هو الأصل لا يصح عقلاً أن يكون لوجوده بداية، لأن ما كان لوجوده بداية فلا بد أن يحتاج في وجوده إلى سبب أوجده، وما كان كذلك لا يمكن أن يكون وجوده هو الأصل.
2- إن ما كان وجوده هو الأصل لا يمكن أن يلحقه العدم؛ لأن كل زمن لاحق نفرض أن يطرأ فيه العدم على ما أصله الوجود. نقول فيه أيضاً: لا يزال الوجود هو الأصل ولا سبب لأن يطرأ عليه العدم أبداً، لأنه لا يطرأ العدم على أي موجود من الموجودات، إلاَّ بوصف أن يكون العدم فيه هو اصل. وإنما انتفى ذلك في زمن ما بسبب من الأسباب، فهو ينتظر زوال السبب حتى يعود إلى أصله وقد ثبت لدينا أن العدم من حيث هو مستحيل أن يكون هو الأصل العام ضد الوجود ولذلك يستحيل عقلاً أن يطرأ العدم على وجود علمنا أنه هو الأصل.
وإلى هذه الحقيقة جاءت الإشارة في قوله تعالى في سورة الفرقان: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ فالحي الذي لا يموت هو من كان وجوده هو الأصل، وكذلك حياته، وصفات الكمال فيه، فلذلك لا يُمكن أن يطرأ عليه العدم أو الموت.
المرحلة الثالثة من الدليل:
علمنا في المرحلتين السابقتين:
أ- أن الوجود من حيث هو عقلاً أن يكون هو الأصل. ب- أن ما كان وجوده هو الأصل استحال أن يكون له بداية، وأن يطرأ عليه العدم.
والآن: فلنلق نظرة على الموجودات التي تقع تحت مجال إدراكنا الحسيِّ في هذا الكون الكبير، لنرى هل تنطبق عليها فعلاً الحقيقة الأولى، وهي أن الأصل فيها لذاتها الوجود؟ أو ينطبق عليها ضدها وهي أن الأصل فيها العدم؟.
وهنا تبدو لنا حقيقة: أننا لم نكن ثم كنا، ونحن صنف ممتاز التكوين في هذا العالم: قال تعالى في سورة التين: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
وأن أشياء كثيرة كان في طي العدم في أشكالها وصورها ثم وجدت كما هو مشاهد لنا باستمرار.
كما تبدو لنا صورة التغيرات الكثيرة الدائمة، في كل جزء من أجزاء هذه المواد الكونية التي نشاهدها أو نحس بها أو ندرك قواها وخصائصها.
فمن موت إلى حياة، ومن حياة إلى موت، ومن تغيرات في الأشكال والصور إلى تغيرات في الصفات والقوى،
وكل ذلك لا يعلل في عقولنا وفق قوانين هذا الكون الثابتة التي استفدناها من الكون نفسه؛ إلا بالأسباب المؤثرة التي تحمل سرّ هذه التغيرات الكثيرة والمتعاقبة في كل شيء من هذا الكون، على اختلاف جواهره وصفاته، سواء منها المتناهي في الصغر أو المتناهي في الكبر.
ومن هذه الأسباب ما نشاهده، ومنها ما نستنتجه استنتاجاً، ولا نزال نتسلسل مع الأسباب حتى نصل إلى وجود ذات هي وراء كل الأسباب.
وهنا نقول: لو كان الأصل في هذه الموجودات المعروضة على حواسنا هو الوجود، لم تكن عرضة للتحول والتغير، والزيادة والنقص، والبناء والفناء، ولم تحتج صور وجوداتها وتغيراتها إلى أسباب ومؤثرات.
وحيث أنها عُرضة للتحول والتغير، وحيث أن قوانينها تفرض احتياجاتها إلى الأسباب والمؤثرات لزم عقلاً أن لا يكون الأصل فيها هو الوجود وإنما يجب عقلاً أن يكون الأصل فيها هو العدم.
لذلك فهي تحتاج في وجودها إلى موجد.
وبهذه المرحلة من الدليل ثبت لدينا ما يلي: أ- أن الأصل هو العدم في جميع هذه الأشياء الكونية القابلة للإدراك الحسيِّ وكل ما شابهها في الصفات. ب- وحيث أن الأصل في جميع هذه الأشياء الكونية العدم؛ وجب عقلاً أن يكون لها سبب مؤثر نقلها من العدم إلى الوجود في مرحلة وجودها الأول ولا يزال يؤثر باستمرار في جميع صور تغيراتها المتقنة الحكيمة. وقد عرض القرآن إلى حقيقة أن الأصل فينا العدم، وأننا لم نكن ثم كنا في قوله تعالى في سورة الإنسان: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا.
ومعلوم بداهة أن المسبوق بالعدم لا بد له من موجد أوجده، وخالق خلقه وصوره.
المرحلة الرابعة والأخيرة من الدليل: علمنا من المراحل الثلاث السابقة الحقائق الثلاث التالية: 1- أن الوجود من حيث هو يجب عقلاً أن يكون هو الأصل. 2- أن ما كان وجوده هو الأصل استحال أن يكون له ابتداء، وأن يطرأ عليه العدم. 3- أن هذه الأشياء الكونية المعروضة على حواسنا ومداركنا ـ والتي نحن جزء منها ـ وكذلك كل ما شابهها: الأصل فيها العدم. ويحتاج وجودها إلى سبب موجد.
وهنا نقول: حيث اجتمعت لدينا هذه الحقائق الثلاث التي لا مفر منها، ولا محيد عنها، فلا بد من التوفيق بينها بشكل تقبله العقول قبولاً تاماً من غير اعتراض. وذلك لا يكون إلا وفق صورة واحدة لا ثانية لها، وهي أن نقول:
أولاً: لا بد عقلاً من وجود موجود عظيم، وجوده هو الأصل في الكائنات وعدمه مستحيل، لذلك فهو واجب الوجود عقلاً.
ثانياً: هذا الكون المشاهد ـ بما فيه من أرض وسماوات، ونجوم ومجرات، وجماد ونبات، وأحياء وأموات ـ الأصل فيه العدم، ولا بد لإخراجه من العدم إلى الوجود من سبب موجد.
ثالثاً: لا يكون السبب الموجد للكون بجميع ما فيه إلا موجوداً عظيماً، وجوده هو الأصل، وهو واجب الوجود وذلك هو (الله سبحانه وتعالى).
خاتمة حول هذا الدليل:
وبهذه الطريقة من الاستدلال يسقط نهائياً تساؤل المتسائلين:
كيف وُجِدَ الله سبحانه؟
لأنه تساؤل لا يعتمد على عقل، وذلك أن مثل هذا التساؤل إنما يرد في موجود تثبت قوانينه وصفاته أن الأصل فيه العدم، فهو يحتاج إلى موجد حتى يوجده ويبدعه من العدم.
أما الموجود الذي يجب عقلاً أن يكون الأصل فيه الوجود ولا يجوز عليه العدم فلا يمكن أن يتعرض وجوده إلى مثل هذا التساؤل بحالٍ من الأحوال. لأن إيرادِ تساؤل من هذا النوع يتنافى مع الحقيقة الثابتة وهي أن الأصل فيه هو الوجود.
بملاحظتنا لكل شيء في الكون: سواء كان من الأشياء المادية التي يُمكن أن ندركها ببعض حواسنا كالأرض والنجوم، أو كان صفة من الصفات القائمة في الأشياء المادية التي نستنبط وجودها بعقولنا كالجاذبية الخاصة الموجودة مثلاً في حجر المغناطيس، وكالجاذبية العامة الموجودة مثلاً بين الكتل المادية، وكخواص المركبات المادية التي لا حصر لها في الكون، سواء في ذلك الظواهر الكيميائية أو الفيزيائية.
وبملاحظتنا لمن نعقل عن ظواهر الوحدات المستقلة المتميزة التي لا تدخل في نطاق إحساسنا كالملائكة والجن وكيفية تكوينها وأعراضها وصفاتها.
من خلال ملاحظتنا لجميع هذه الأشياء الكونية، ندرك بداهة في كل واحدة منها أنه كان من الممكن عقلاً أن يتخذ صورة وصفة وحالة غير ما هو عليه الآن، فهنالك احتمالات كثيرة لا حصر لها في مجال الممكنات، لا يرى العقل مانعاً من أن تتحول هذه الأشياء الكونية إلى واحد منها.
فالعقل لا يمنع من أن تتخذ مثلاً صورة غير الصورة التي هي عليها، وشكلاً غير الشكل الذي هي عليه، أو حداً غير حدها الواقع كمَّاً وكيفاً.
فتكون أكبر مما هي عليه أو أصغر، أو مركبة غير التركيب الذي هي عليه، أو في حيز من الكون وزمان من الدهر غير حيزها وزمانها، أو أن تكون لها صفات وقوى غير صفاتها وقواها، أو حركات ومدارات وسرعات مغايرة لما هي عليه.
كل هذا وأمثاله من الاحتمالات التي لا حصر لها، مما يجوّزه العقل بداهة، ويعتبره من الممكنات العقلية، التي لو كان تركيب الكون على وفقها لم يكن في ذلك منافاة لأصل عقلي.
فما المانع مثلاً من أن يكون الليل والنهار سرمدين؟
وما المانع العقلي من أن يكون الإنسان على غير هذا الوضع القويم، أو أكبر أو أصغر مما هو عليه جسداً وهامة؟. وما المانع من أن يكون العقل في البهائم، والنطق في العجماوات؟ وما المانع من أن تكون الأرض أدنى إلى الشمس والعمر من الوضع الذي هي عليه؟ أو غير ذلك من أشياء كثيرة.
فإن قيل: إن الحكمة تقتضي أن تكون هذه الأشياء كما هي عليه الآن؛ وإلا لاختلَّ النظام وفسدت النتائج المرجوة من هذا الكون، قلنا: الحكمة صفة الحكم، وذلك الحكيم (هو الله تعالى).
ونقول من ناحية أخرى: حيث أن كل شيء في هذا الكون يحتمل أن يكون على واحد من أوضاع كثيرة غير الوضع الذي هو عليه؛ فإن عقولنا لا بد أن تحكم بداهة بأن ما كان كذلك فلا بد له من مخصص قد خصصه باحتمال موافق للحكم والإبداع والإتقان؛ من جملة احتمالات كثيرة.
ولولا وجود المخصص للزم ترجيح أحد المتساوين على الآخر من غير مرجح؛
أو القول بأن: موافقة الحكمة فيما لا حصر له من الأعداد كان على طريق التصادف، وكلاهما مستحيل عقلاً. تابع
----------------------------------------------------------------- أخوكم في الله شبل سنة المغربى | |
|
شبل السنة المغربى نائب المدير
عدد الرسائل : 388 تاريخ التسجيل : 16/07/2007
| |