ويتكاثر طفيل الملاريا داخل الكريات الدموية الحمراء، والسبب في النوبات هو الانفجار الجماعي لتلك الكريات المصابة دوريا كل يوم أو يومين أو ثلاثة تبعا لنوع الطفيل واطلاق مواد غريبة مناعيا هي المسئولة عن دورية الأعراض الرئيسية: قشعريرة وارتفاع في درجة الحرارة ثم عرق تتبعه فترة راحة بين النوبات، وتستمر نوبة الملاريا في العام 4-10 ساعات، وتبدأ بعد حوالي 8-25 يوما من التعرض للبعوض، والطفيل من النوع فالسيبارم P. Falciparum يسبب الملاريا الخبيثة، وقد سميت الحالة كذلك لكونها تؤدي إلى موت حوالي 95% من حالات الملاريا، وبعد تناقص عدد الإصابات نتيجة لاستخدام مستخرجات نباتية تماثل الكينين مثل الكلوروكين Chloroquine بدأت الشكوى مع نهاية القرن العشرين من قلة الفاعلية وزيادة عدد الإصابات من جديد نتيجة تنامي أنواع من الطفيل ذات مناعة مما يحتم استخدام بدائل جديدة، ومن الممكن أن تنتقل الملاريا عن طريق استخدام شخص سليم لنفس الإبرة الطبية التي استخدمها شخص مصاب بدون تعقيمها، مثلما يحدث في حالات إدمان المخدرات باستخدام الإبر وربما ينتقل المرض كذلك عن طريق نقل الدم، وطبقا لتصريحات منظمة الصحة العالمية ما زالت الملاريا تصيب حوالي 400 مليون ضحية سنويا على مستوى الكوكب وتقتل حوالي 2 مليون شخص معظمهم من الأطفال ولا يوجد لقاح فعال ضدها حتى الآن .
وينتقل مرض الإيدز H.I.V. أساسا عن طريق الفاحشة ولكنه يمكن أن يصيب شخصا سليما عن طريق نقل الدم إليه من شخص مصاب، ومع اكتشاف المرض وانتشاره السريع اتهمت البعوضة في نقل الوباء، لكن فيروس الإيدز لا يستطيع العيش داخل البعوضة ولذا لا تستطيع أن تنقله من شخص لآخر، بينما يستطيع طفيل الملاريا العيش داخلها 9-12 يوما وفيروس الحمى المخية 10-25 يوما، والغالب أن فيروس الإيدز يهضم في بطن البعوضة مع وجبة الدم في حدود 1-2 يوما حيث لا تحتاج البعوضة خلال تلك الفترة إلى وجبة إضافية، والنقل عن طريق تلوث فم بعوضة لم يتهيأ لها إكمال وجبتها غير محتمل لأن الأعداد الحرة للفيروس في الدم قليلة لا تكفي عمليا للإصابة بهذه الكيفية، وبهذا أعفيت البعوضة من الاتهام وكفاها ما تسببه من أمراض .
عجز البشر أمام التحدي:
إن البعوضة من أخطر الآفات الحشرية Pests وما زالت تهدد البشرية، وإذا لم يمكن التخلص منها – على الأقل حتى الآن – فهل يمكن محاولة تغييرها وراثيا بحيث تصبح حشرات غير ضارة بالإنسان أو الحيوان وتكف عن تناول وجبات الدم ؟، أو يتوقف نقل الأمراض عن طريقها ؟، أو إحداث تغييرات وراثية في المادة الجينية للكائنات الوبائية التي تنقلها بحيث يتوقف إحداثها للأمراض ؟، تعكس مثل تلك التساؤلات الجريئة التي يطرحها المختصون العجز حاليا أمام إمكانات البعوضة وتحمل في طياتها آفاقا محتملة من التغير البيئي الذي قد يمتد ليشمل جميع الآفات على الكوكب والذي لا يعلم اليوم مداه أحد إلا الله سبحانه وتعالى وحده .
ولقد طالت هجمات البعوضة أكثر الدول تقنية، وعلى سبيل المثال قد انتشرت فجأة في أغسطس عام 1995 في نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية بعوضة عدوانية لسعاتها مؤلمة تهاجم بشراسة حتى في وضح النهار، ولأن موطنها الأصلي هو آسيا ولعدوانيتها الشديدة وتخطيط جسمها تسمى بالنمر الآسيوي Asian Tiger، وهي من نوع الإيديس Aedes albopictus، وقد ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1985، فقد بدأت انتشارها بعد الحرب العالمية الثانية في هاواي ومناطق المحيط الهادئ ولكنها أخيرا وجهت زحفها نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وتتكاثر تلك البعوضة سريعا جدا لأنها لا تحتاج لكميات ماء كثيرة كي يفقس بيضها وتكفيها أية بقايا متجمعة في أواني مهملة كالإطارات القديمة للسيارات أو بقايا مياه المطر المتجمعة في فجوات الأشجار ولذا تصعب مقاومتها عملياً، وتستطيع أن تنقل فيروسات مرض أبو الركب والحمى المخية في الإنسان والحيوان .
ومع خرق التوازن البيئي بتقلص مساحة الغابات والمناطق الزراعية وانطلاق أدخنة المصانع بكميات وفيرة من الغازات المؤثرة مثل ثاني أكسيد الكربون في الجو تزداد كمية حرارة الكوكب بنسبة ملحوظة نتيجة عدم قدرة الحرارة المنعكسة منه على الهروب، وهذا يسمى تأثير البيت الزجاجي لأنه يماثل ما يحدث في بيت الزجاج المستخدم لانتاج نباتات تحتاج لحرارة أكثر، ويتوقع أن يزداد المعدل الوسطي لحرارة الكوكب حوالي 1-3.5 درجة مئوية بحلول عام 2100 ميلادية، ولذا يتوقع زيادة أعداد البعوض وارتفاع نسبة الأمراض التي يسببها إذا لم يمكن اتخاذ إجراءات وقائية حاسمة على مستوى الكوكب وتعاون الجنس البشري في مواجهته .
كتاب معجز فريد:
إن المعرفة بالبعوضة والأحياء الدقيقة دونها ودورها في نقلها وإحداث الأمراض يستحيل أن يدركها أحد قبل اكتشاف المجهر، فلم يعرف دور البعوضة في نقل طفيل الملاريا مثلا إلا قبيل بداية القرن العشرين، فقد تمكن الفونس لافيران من معرفة الطفيل المسبب للملاريا عام 1880، وفي عام 1897 اكتشف سير رونالدز روز انتقال الطفيل عن طريق البعوضة، وفي عام 1898 تمكن فريق إيطالي من الباحثين من تأكيد دور البعوضة في نقل المرض، وقبيل بداية القرن العشرين كانت هناك عدة فرضيات تحاول تفسير سبب وباء الحمى الصفراء، وفي عام 1881 افترض كارلوس فينلاي أن الناقل هو البعوض، وهو ما أكده ميجور والتر عام 1900 وأثبته ويليام جورجاس في أول القرن العشرين، وبالتخلص منه أثناء شق قناة بنما تراجع المرض كثيرا، وفي نفس الفترة اكتشف باتريك مانسون طفيل الفلاريا الذي يسبب داء الفيل وعرف أن الناقل له هو البعوض كما نقل طفيل الملاريا .
وكلمة "ملاريا" إيطالية الأصل وتعني الهواء الفاسد، وقد بقيت مستخدمة حاليا كمصطلح تاريخي يعكس الاعتقاد الخاطئ بأن المرض ينتقل للإنسان عن طرق الهواء الفاسد قبل أن يعرف دور البعوضة في نقل الطفيليات المجهرية التي تسببه، ولذا عندما يستنكر القرآن الكريم الاستهانة بالبعوضة دالا على خطرها ويشرك ما فوقها ضآلة معها في الحكم فإنه يسبق عصر المعرفة العلمية بأكثر من عشرة قرون ويعلن أنه وحده هو كلمة الله الباقية للأمم خاصة أن دلالته العلمية تلك لا توجد في أي مدونة اليوم تنسب للوحي .
ومن عجيب البيان القرآني المعجز العدول باللفظ بعوضة والضمير فوقها إلى الإفراد والتأنيث بدلا عن تغليب الذكر أو التعبير بالجمع الدال على تماثل الجنسين في الوصف، والحقيقة الراسخة أن أنثى البعوض وحدها هي التي تتغذى على الدم وتنقل الأمراض وليس للذكر أجزاء فميه ثاقبة للجلد، وهكذا يعدل القرآن باللفظ إلى صيغة تتفق مع الواقع قبل أن يكتشفها الزمان وتعاينها الأجيال، ونفي الاستحياء بدلا من الإثبات لبيان أهمية البعوضة وما يماثلها يتضمن استنكار الاستهانة بها وبيان الجهل بخطرها عند التنزيل .
وتعدد الأنواع يفيده ورود (بعوضة) بالتنكير و (ما) الإبهامية مرتين لوصف ما دونها فضلا عما يكبرها من كائنات مؤذية أو ناقلة للمرض، وأنواع البعوض والكائنات الدقيقة تتمايز في أشكالها وعاداتها وكذلك في أسلحتها التخصصية التي تتحدى بها الإنسان وتهاجم بها الحيوان حيث يسبب النوع الواحد أنواعا محددة من الأمراض لضحايا محددة، وما أشبه الصراع مع كائن ضئيل بمعركة كتبت لجنوده فيها الغلبة على الدوام فكانت تحديا أبديا لغرور الإنسان وكبريائه ومثالا صارخا على قدرة الله المعجزة وعنايته بالخلق مهما بلغت ضآلته، وهكذا تحدي القرآن الكريم البشر ببعوضة ضئيلة وما يفوقها ضآلة من كائنات دقيقة آية على علم الله المحيط وبينة على التنزيل، وما أعظم الصدق وأروع بيان العلم بخفايا التكوين في قوله تعالى: (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) المدثر 31 .
وإن الإنسان لو تيقظ حق تيقظ إلى أن البعوضة وكل ذرة من ذرات الكون يقدس الله تعالى وينزهه ويشهد بجلاله وكبريائه وقهره وعمر خاطره بهذا الفهم لشغله ذلك عن الطعام فضلا عن فضول الأفعال والكلام، فلا ذرة في عالم المحدثات إلا وهي تدعو العقول إلى معرفة الذات والصفات .. وهذه البعوضة بحسب حدوث ذاتها وصفاتها تدعو إلى قدرة الله وبحسب تركيبها العجيب تدعو إلى علم الله وبحسب تخصيص ذاتها وصفاتها بقدر معين تدعو إلى إرادة الله فكأنه تعالى يقول مثل هذا الشيء كيف يستحيا منه .
فمن ذا الذي لا يعبد الله وحده وهذه آثار صنعته وآيات قدرته ؟ ومن ذا الذي يجعل لله أندادا ويد الإعجاز واضحة الآثار فيما تراه الأبصار وفيما لا تدركه الأبصار ؟ .. فالله رب الصغير والكبير وخالق البعوضة والفيل والمعجزة في البعوضة هي ذاتها المعجزة في الفيل إنها معجزة الحياة معجزة السر المغلق الذي لا يعلمه إلا الله .. على أن العبرة في المثل ليست في الحجم .. إنما الأمثال أدوات للتنوير والتبصير وليس في ضرب (المثل بالبعوضة) ما يعاب وما من شأنه الاستحياء من ذكره .. (فأما الذين آمنوا فيعلمون أن الحق من ربهم) ذلك أن إيمانهم بالله يجعلهم يتلقون كل ما يصدر عنه بما يليق بجلاله وبما يعرفون من حكمته وقد وهبهم الإيمان نورا في قلوبهم وحساسية في أرواحهم وتفتحا في مداركهم واتصالا بالحكمة الإلهية في كل أمر وفي كل قول يجيئهم من عند الله: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) وهو سؤال المحجوب عن نور الله وحكمته المقطوع الصلة بسنة الله وتدبيره
---------------------
سبحان الله(مقارنة بين جناح الطائرة وجناح البعوضة)
--------------
بديع خلق الله لا تنقضي عجائبه وستظل البشرية تستلهم منه الدرس تلو الدرس. في هذا الصدد ما زلت أذكر اليوم القصة التي رواها لنا أحد أساتذة مادة التصميم الهندسي إبان كنت طالبًا بالجامعة. تتلخص القصة في أن إحدى الجهات البريطانية المسؤولة أعلنت عن مسابقة تصميم هندسي لكوبري عبر نهر التايمز بلندن بمواصفات ومتطلبات صعبة المنال بل تكاد تكون شبه تعجيزية، فقد كان مطلوبًا أن يجمع الكوبري بين خفة الوزن من ناحية والقدرة على تحمل الأوزان الثقيلة من ناحية أخرى. وقد باءت جميع المحاولات المضنية للمصممين ـ المتنافسين للتوصل إلى التصميم المطلوب ـ بالفشل، وكادت أن تنتهي المسابقة بإعلان العجز، لولا أن أحدهم تذكر أنه قد علم في صفوف دراسته الباكرة بأن القنفذ ذلك المخلق الصغير يتمتع بتركيبة هيكل عظمي متميزة تمكنه من تحمل وزن رجل يبلغ 70 كغم بينما لا يزيد وزنه هو في المتوسط عن كغم واحد أي أنه يستطيع حمل 70 ضعف وزنه. فقام المهندس بدراسة تركيبة الهيكل العظمي لذلك المخلوق الضعيف في نظر الإنسان، ومن ثم قام بتصميم للكوبري المطلوب مقلدًا الهيكل العظمي للقنفذ فنجح في تصميمه وفاز بالجائزة وتم بالفعل إنشاء الكوبري بنجاح لاحقًا.
تداعت تلك الأفكار ببالي وأنا أطالع الجديد في مجال علم الطيران المقارن بين الطائرات الحديثة من جهة والأحياء من جهة أخرى والتي تشمل ثلاث طبقات من المخلوقات هي الطيور على اختلاف أنواعها وأحجامها، والخفاش وهو حيوان ثديي طائر، والحشرات الطائرة. ولكل طبقة من هذه المخلوقات خصوصيات يضيق المجال عن تعدادها في طريقة وأسلوب طيرانها، فهي وإن كانت جميعًا تستطيع أن تطير، إلا أن طريقة كل منها في الطيران تتمتع بخصوصيات خارجة عن نطاق قدرات الطبقات الأخرى.
فالحشرات مثلاً تعاني بادي الرأي من كبر وزنها مقارنة بحجم أجنحتها ورقة تلك الأجنحة لدرجة العديد من مهندسي وعلماء الطيران ظلوا في حيرة لعقود طويلة في تفسير كيفية قدرة هذه المخلوقات على الطيران لأن تركيبتها المشار إليها لا تتوافق مع النظريات المعروفة للإنسان في مجال الطيران، فطبقًا للنظريات التي تدرس في كل المعاهد والجامعات العالمية المتخصصة فإن من المفترض أن كثيرًا من الحشرات الطائرة والطيور الصغيرة والخفافيش لا تستطيع الطيران أصلاً.
فمن المعلوم أن كل شيء يطير بجناحيه سواءً أكان طائرة بوينغ 747 العملاقة أو مجرد ناموسة صغيرة لا وزن يذكر لها يتحتم عليه توليد قوة رافعة تزيد عن وزنه على أقل تقدير وإلا فإنه سيظل ملتصقًا بالأرض بفعل الجاذبية كبقية المخلوقات. والتحليلات العلمية للقوى الرافعة المتولدة عن أجنحة تلك المخلوقات طبقًا لنظريات الرفع المستخدمة في تصميم الطائرات الحديثة لا تستطيع نظريٌّا أن تزودها بأكثر من ثلث القوى الرافعة اللازمة لطيرانها. بيد أن واقع الحال المشاهد على خلاف ذلك، إذ تتمتع تلك المخلوقات بقدرات طيران تفوق إلى حد بعيد قدرات أحدث الطائرات المقاتلة. فالحشرات الطائرة تستطيع أن تطير إلى الأمام وإلى الخلف كما أنها تستطيع أن تحوم وتناور بخفة وبمرونة أكبر من أفضل الطائرات المقاتلة الحديثة، بل إنه وبطريقة لا تزال غير مكتملة المعالم لذوي التخصص فإن الحشرات الطائرة والطيور الصغيرة تتمكن من توليد ما يزيد عن ثلاثة أضعاف ما يمكن حسابه بواسطة النظريات المستعملة في تصميم الطائرات. وسبب هذه المفارقة العلمية هو بالطبع قصور الإنسان في فهم كامل الحقيقة العلمية وفي الافتراضات العلمية التبسيطية التي تبنى عليها نظريات السريان الهوائي المعتمدة في تصميم الطائرات.
ونقطة البداية لحل هذه المعضلة العلمية تكمن في النظر في فوارق تكوين أجنحة الحشرات الطائرة وطريقة عملها المغايرة لعمل أجنحة الطائرات. تمتاز أجنحة هذه المخلوقات عن أجنحة الطائرات بحركات معقدة ثلاثية الأبعاد يقوم فيها الطائر بدفع جناحيه الرقيقين إلى الأمام وخفضهما إلى الأسفل في نفس الآن مع دوران للجناح حول محوره الطو- ثم إكمالاً للحركة المولدة للرفع يقوم الطائر بعكس تلك الحركات المركبة من الأعلى والخلف مما يساعده في توليد المزيد من قوى الرفع. تقوم هذه المخلوقات بخفق أجنحتها بالطريقة المذكورة عشرات المرات في الثانية الواحدة، وعند قمة الهرم، فإن الطائر الطنان يقوم بخفق جناحيه بالطريقة ذاتها 200 مرة في الثانية الواحدة، أي أنه يقوم بخفق جناحيه 72,000 مرة في ساعة واحدة فقط، وهو أمر يتخطى العمر الافتراضي لقدرة تحمل جناح طائرة كبرى مثل البوينغ 747 لعشرين عامًا بمرة ونصف، حيث تعتبر دورة انحناء جناح الطائرة نحو الأعلى ثم نحو السفل عند كل عملية إقلاع وهبوط بمثابة رفة واحدة فقط من رفات جناح الطائر الطنان، ومن خلال استمرارية هذا الخفق المعقد الحركات تتولد قوى الرفع التي لم يستطع العلماء بدءًا فهم آليتها إلا مؤخرًا، بالمقابل يتم تصميم أجنحة الطائرات على دراسات أكثر تبسيطًا (ثنائية الأبعاد) تفترض الثبات في سرعة سريان الهواء على جناح الطائرة ذي المنحنى الهوائي الثابت، أو سرعة الدوران الثابتة لريش (أجنحة) المروحيات (الهليوكوبتر).
وما زال العلماء يدرسون ظاهرة تفوق قوى الرفع للطيور الصغيرة والحشرات بالنسبة لأجنحة الطائرات منذ الخمسينيات دون أن يتوصلوا إلى فهم للظاهرة حتى قام فريق من العلماء في عام 1997م ببناء آلة تحاكي شكل بعض أنواع الفراشات تكلف تصميمها وإنتاجها 100.000 دولار أمريكي واستغرق تسعة أشهر من الجهود المكثفة لفريق التصميم، طول جناح الفراشة الآلية (1متر) وهو يساوي عشرة أضعاف طول جناح أكبر الفراشات (10سم) حجمًا، ويخفق بنفس أسلوب الفراشة الحية لكن بسرعات أبطأ، من أجل تكبير ما يجري إلى مقياس يسهل معه رصد تفاصيله الدقيقة والتعلم منها، وقد قرر العلماء بناء الآلة بعد أن باءت جميع جهودهم السابقة في دراسة الحشرات الطائرة والفراشات بالفشل نظرًا لصغر وهشاشة أجنحتها مما يشكل عقبات عملية في دراستها. وتمكن العلماء أخيرًا من خلال دراسة السريان الهوائي لجناح الفراشة الميكانيكية العملاقة من اكتشاف اللغز الذي حيرهم لخمسة عقود من الزمان، تبين من هذه الدراسات استفادة الحشرات الطائرة من ظاهرة الدوامات الهوائية، تتسبب في حصول انهيار قوة الرفع في أجنحة الطائرات (ستال) أما سبب تدني سرعة الطائرة أو زيادة زاوية الهجوم فتتحول الطائرة في تلك الحالات إلى مجرد كتلة مرتفعة عن سطح الأرض تسقط بسبب قوة الجاذبية سقوط الحجر من جو السماء، لكن الدوامات الهوائية تستغل بشكل فعال من قبل الحشرات وذلك بتدوير الجناح في اللحظة الحاسمة لتلتصق الدوامة بمقدمة الجناح فتولد قوة رفع تزيد مرة ونصف عن احتياج الحشرة للطيران بدلاً من أن تتسبب في انهيار قوة الرفع لجناح الحشرة كما هو الحال بالنسبة للطائرات، ولا يتوقف هذا الترتيب البديع في أسلوب طيران الحشرات على الكيف فقط بل إن الكم كذلك لمن بديع صنع الله حيث تستطيع الحشرة الطائرة توليد مرة ونصف ضعف ما تحتاجه كحد أدنى للطيران، بينما كانت التوقعات طبقًا للنظريات السابقة تذهب إلى أن الحشرات لا تستطيع توليد أكثر من ثلث ما تحتاجه من القوة الرافعة، أي أن الله تعالى قد وهب الحشرات الطائرة قوةً رافعة تعادل خمسة أضعاف ما كان يظنه الإنسان ممكنًا طبقًا للنظريات العلمية إلى وقت قريب، وهي بهذه القدرات تشبه طائرة ذات محركات قوية تستطيع أن تقوم بشتى أنواع المناورات الصعبة، ومرة أخرى تجد الإنسانية نفسها متتلمذة صغيرة أمام الإبداع الإلهي العظيم حيث يرى العلماء أن هذه الظاهرة الجديدة بحاجة إلى فهم أعمق في كيفية توليد هذه الدوامات واحتمالات الإفادة منها في بعض أنواع الطيران مستقبلاً. وصدق الله العظيم القائل: {وَمَآ أُوتِيتُم مّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}. وما أعظم المثل الإلهي المضروب للبشرية في سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الفاسقين}.
************************************************** ***********
دكتور سامي سعيد حبيب
رئيس قسم هندسة الطيران جامعة الملك عبدالعزيز
----------------------------------------------------------------------
اخوكم شبل سنة المغربى